فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهم مكبوتون دائمًا. فالحق لا يُمَكّنهم من كل أهوائهم. لذلك يبغون في الأرض فسادًا بأساليب الاختفاء. ومن يقرأ «بروتوكلات صهيون» يجد اعترافاتهم بأنهم أصحاب النظريات التي تقود إلى الأفكار الخاطئة كالماركسية والوجودية والداروينية وهي أمور مرتبة من قبل ليظهر أثرها الضار في الشعوب غير اليهودية. أما اليهود فقد حصنوهم ضد هذه المبادئ الفاسدة، هكذا أرادوا التبييت ضد العالم، وهكذا يكون سعيهم بالفساد بين الناس. وإذا نظرنا إلى الانحراف الحالي في الكون فإننا نجدهم وراءه.
فالرأسمالية الشرسة من اليهود. والشيوعية الشرسة من اليهود. وهؤلاء الذين يدعون أنهم أنبياء من بعد رسول الله إنما يحدث لهم ذلك بفعل اليهود، وكذلك الجمعيات التي تتخفي وراء أسماء «الماسونية والروتاري والليونز»، كلها من اليهود. ومع ذلك نتلفت إلى قوم يقولون إنهم متحضرون ويفخرون بأنهم أعضاء في الروتاري، ونسألهم: ماذا تفعلون في تلك الأندية؟ يقولون: نقوم بالأعمال الخيرية والخدمات. ونقول لهم: لماذا لا تفعلون أعمال الخير باسم الإسلام؟. وهل تظنون أن هناك خيرًا يأتي من خارج الإسلام؟!
ويكتشف الكون كل فترة من الزمن أن الفساد الذي فيه إنما هو بسبب هؤلاء الناس وبسبب مكائدهم؛ لذلك يصيبهم الحق بالكوارث كل فترة من الزمن؛ لأنهم يسعون في الأرض فسادًا. وهذا السعي في الأرض بالفساد إنما يأخذ صورًا متعددة، مرة يأخذ شكل النظريات العلمية، ومرة يأخذ شكل التطرف في الأنظمة السياسية من رأسمالية شرسة أو شيوعية شرسة، وكل ذلك تخريب لحياة الناس.
والناس حين تجرب نظامًا فهي تقيس نجاحه أو فشله بمقدار ما يعود عليها من خير أو من شر.
لقد كانت روسيا- على سبيل المثال- تمد العالم بالقمح من سيبيريا. ولكنها الآن تشكو قلة الزراعة وتنتظر من يبيع لها القمح. وعلى الجانب الآخر نجد الرأسمالية الشرسة تطحن أبناء تلك البلدان في الحياة غير المسئولة باسم الحرية. وقد شهدت ألمانيا- مثلًا- قسمة عاصمتها القديمة «برلين» إلى قسمين، ولكل قسم حياة، وشهدت إعادة التوحيد لأرض ألمانيا بما يصاحبه من مشكلات جمة.
وقد تذهب بعض المجتمعات إلى أيدي أناس لهم شراسة أشد كالحزب الحاكم في كل دولة لا تتبع منهاجًا متوازنًا، ونجد رجال هذا الحزب كهيئة تأخذ الدعوة ونقيض الدعوة حتى لا يتمرد عليهم أحد، فعَرق العامل في أيديهم ومصنع الرأسمالي في أيديهم وهم يعيشون حياة الأمراء ولا يجرؤ أحد على أن يسألهم.
ومثال ذلك أيضًا نظرية الوجودية التي تدعو كل إنسان ليثبت وجوده، وصاحبتها موجة من الانحلال اللا مسئول، ذلك أنهم لم يفهموا إثبات الوجود على أساس أنه مسئولية العمل الصالح في الكون، ولكن فهموا الأمر على أنه انطلاق غرائز على الرغم من أن المفترض في كل إنسان إذا أراد أن يمد يده، فعلى يده أن تتوقف حيث يوجد أنف إنسان آخر. لكن هؤلاء الناس عاملوا الناس كأطفال، تمامًا كما يأتي الأب لابنه بلعبة يلعب بها ولتكن آلة تليفون، يقدمها الأب لابنه ليستغل طاقته قبل أن يكون مكلفًا، ولكن الأب لا يسمح للابن أن يعلب بآلة التليفون الحقيقية، وهؤلاء الناس يأخذون الكبار إلى اللعب واللهو حتى لا يتدخل الكبار في أمور الجد.
ومثال ذلك لعبة كرة القدم، إنهم ينفخون فيها بالبطولة وينقلون قوانين الجد إلى اللعب. وقبل المبارة بثلاث ساعات تجد قوات الأمن قد سدّت الطرق إلى الملعب الذي يشهد المباراة. ولو أخطأ الحكم خطأ تافهًا فإنّ الجهور يثور ويهيج. ولكن عندما يخطئ الحكام والحكومات ألف خطأ فلا أحد يتكلم، لماذا؟. لأنكم نقلتم قوانين الجد إلى اللعب واللهو وتركتم الجِد بلا قوانين.
مثال آخر: نجد كل فاكهة أو محصول أو صناعة في الوجود يقيمون لها الاحتفالات ويتوجون عليها ملكة، ملكة الكروم، ملكة القمح، ملكة الأزياء، وكل ذلك من أجل إبراز مفاتن النساء، ولا يوجد تكريم للعقول التي تنتج. وعلى سبيل المثال نجد ملابس الشباب الرياضية تغطي جسد الشباب من الذكور، لكنهم لا يفعلون ذلك بالنسبة للإناث، لماذا لا يغطون أجساد البنات أيضًا أثناء ممارسة الرياضة؟ والغرض- بطبيعة الحال- هو دغدغة أعصاب الناس، وكل ذلك إفساد في الأرض.
{وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا} ومن العجيب أن سعيهم للفساد يلبسونه ثوب الحق وثوب الارتقاء وثوب الحضارة.
ويأتي أناس من المسلمين ويشجعون مثل هذا الفساد، وينسون الحقيقة البديهية وهي: {والله لاَ يُحِبُّ المفسدين} فسبحانه وتعالى قد خلق الكون على هيئة الصلاح، فإذا استقبلت خير الله بصلاح الوجود الذي طرأت أنت عليه فأنت تحسن حياتك وعملك، أما إن لم ترد صلاح الكون فعليك ألا تأتي بفساد.
والحق خلق الكون على نظام دقيق، ونرى ذلك في الأشياء التي لا دخل للإنسان فيها، ونجدها في منتهى الدقة والاستقامة، الشمس والكواكب والفصول والرياح، لكن الفساد يأتي عندما تدخلت يد البشر بغير منهج الله. إذن فالفساد هو الذي يصرف الناس عن منهج الله. ونجد بعضًا من الناس يركبون رءوسهم ويظنون أن ما يفعلونه هو الصلاح، فينطبق عليهم قول الحق: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11-12].
هذا هو حكم الحق فيهم.. إنهم يدّعون الصلاح، ولكن يجب عليهم أن يرتدعوا فلا يفسدوا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ...} الآية (64).
أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير وابن مردويه عن ابن عباس. قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق. فأنزل الله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {وقالت اليهود يد الله مغلولة} نزلت في فنحاص رأس يهود قينقاع.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة...} الآية. قال: نزلت في فنحاص اليهودي.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قال: أي بخيلة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قال: لا يعنون بذلك أن يد الله موثوقة ولكن يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {مغلولة} يقولون: إنه بخيل ليس بجواد. وفي قوله: {غلت أيديهم} قال: أمسكت عن النفقة والخير.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعًا «أن يحيى بن زكريا سأل ربه فقال: يا رب، اجعلني ممن لا يقع الناس فيه. فأوحى الله يا يحيى هذا شيء لم أستخلصه لنفسي كيف أفعله بك؟ اقرأ في المحكم تجد فيه {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30]. وقالوا {يد الله مغلولة} وقالوا وقالوا...».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال: إذا بلغك عن أخيك شيء يسوءك فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة أجلت، وإن كانت على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها. قال: وقال موسى: يا رب، أسالك أن لا يذكرني أحد إلا بخير. قال «ما فعلت ذلك لنفسي».
وأخرج أبو نعيم عن وهب قال: قال موسى: يا رب، أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير. قال «ما فعلت ذلك لنفسي».
وأخرج أبو نعيم عن وهب قال: قال موسى: يا رب، احبس عني كلام الناس. فقال الله عزوجل «لو فعلت هذا بأحد لفعلته بي».
قوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.
أخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري معًا في المصاحف وابن المنذر عن ابن مسعود قرأ {بل يداه مبسوطتان}.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سخاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه. قال: وعرشه على الماء، وفي يده الأخرى القبض يرفع ويخفض».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {وليزيدن كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا} قال: حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه، وهم يجدونه عندهم مكتوبًا.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع قال: قالت العلماء فيما حفظوا وعلموا: أنه ليس على الأرض قوم حكموا بغير ما أنزل الله إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء، وقال: ذلك في اليهود حيث حكموا بغير ما أنزل الله: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} قال: اليهود والنصارى. وفي قوله: {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} قال: حرب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} قال: كلما اجمعوا أمرهم على شيء فرّقه الله وأطفأ حدهم ونارهم، وقذف في قلوبهم الرعب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} قال: أولئك أعداء الله اليهود، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء وهم تحت أيدي المجوس، وهم أبغض خلق الله تعمية وتصغيرًا باعمالهم أعمال السوء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وفي قوله عن الحسن {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} قال: كلما اجتمعت السفلة على قتل العرب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في هذه الحكاية قولان:
أحدهما: أنه خبر محض، وزعم بعضهم أنه على تقدير همزة استفهام، تقديره: «أيد الله مغلُولة»؟ قالوا ذلك لمَّا قَتَّر عليهم معيشتهم، ولا يحتاج إلى هذا التقدير.
قال ابنُ الخطيب: في هذا الموْضِع إشكَالٌ، وهُو أنَّ اللَّه تعالى حكى عن اليَهُودِ أنَّهُمْ قالوا ذَلِك، ولا شَكَّ في أنَّ اللَّهَ تعالى صَادِقٌ في كُلِّ ما أخْبَر عنه، ونرى [اليهُود] مُطبقِين مُتَّفِقِين على أنَّا لا نَقُولُ ذلكَ ولا نعْتَقدهُ، والقولُ: بأنَّ {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} باطل بِبَديهَةِ العَقْل؛ لأنَّ قَوْلَنَا: اللَّهَ اسمٌ لموْجُودٍ قديم، قادرٍ على خَلقِ العَالم وإيجَادِه وتكوينه، وهذا الموجُود يَمْتَنِعُ أن تكون يدُهُ مَغْلُولة مُقيَّدة قَاصِرَة، وإلاَّ فَكَيْفَ يُمْكِنُه ذلك مع قُدْرته النَّاقِصَة حِفْظ العَالم وتدبيره.
إذا ثَبَتَ هذا فقد حَصَل الإشْكال في كَيْفِيَّة تَصْحيح هذا النَّقْل وهذه الرِّواية فَنَقُول فيه وُجُوهٌ:
الأوَّل: لَعَلَّ القَوْم إنَّما قالوا هذا القَوْل على سَبِيلِ الالتزام؛ فإنَّهُم لمَّا سَمِعُوا قوله تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] قالوا: لو احْتَاج إلى القَرْضِ لكَانَ فَقِيرًا عاجِزًا [فلما حكموا بأنَّ الذي يسْتَقْرِضُ من عبادهَ شَيْئًا فقيرٌ مُحْتَاج مَغْلُولُ اليديْن، لا جرم حكى اللَّهُ عَنْهُم هذا الكلام].
الثاني: لعَلَّ القوم لمَّا رأوا أصْحَاب الرَّسُول عليه الصلاة والسلام في غَايَةِ الشِّدَّةِ والفَقْرِ والحَاجَةِ، قالُوا ذلك على ذلك سَبيلِ السُخْرِيَةِ والاسْتِهزاء.